الشهيد الزميل محمد عبد السلام
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الشهيد الزميل محمد عبد السلام
لا نغنيك ولكننا نناضل ....
عدل سابقا من قبل في الثلاثاء أغسطس 28, 2007 9:37 am عدل 1 مرات
رد: الشهيد الزميل محمد عبد السلام
1-الزميل الشهيد محمد عبد السلام عضو الجبهة الديمقراطية جامعة الخرطوم
2-المسئول السياسى لكلية القانون
3- عضو المركزية بجامعة الخرطوم
4-استشهد بعد اعتقاله من الداخلية بواسطة ملثمين الاتجاه الاسلامى يوم 5 اغسطس 98 فى احداث السكن بجامعة الخرطوم وصحة ما ورد بالرواية كان احدهم الكادر الامنى وعضو مكتب الرصد ويدعى عمار باشرى
5- تم نعيه لجماهير طلاب جامعة الخرطوم بواسطة الجريدة الناطقة باسم الجبهة الديمقراطية (مساء الخير) عضو مناضلا وعضو مركزية الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم
متوفيا بضربة بالة حادة فى مؤخرة الراس
6- بعد عام لرحيله اقامت الجبهة الديمقراطية حفل تابين لمدة 4 ايام بجميع المجمعات بالجامعة
2-المسئول السياسى لكلية القانون
3- عضو المركزية بجامعة الخرطوم
4-استشهد بعد اعتقاله من الداخلية بواسطة ملثمين الاتجاه الاسلامى يوم 5 اغسطس 98 فى احداث السكن بجامعة الخرطوم وصحة ما ورد بالرواية كان احدهم الكادر الامنى وعضو مكتب الرصد ويدعى عمار باشرى
5- تم نعيه لجماهير طلاب جامعة الخرطوم بواسطة الجريدة الناطقة باسم الجبهة الديمقراطية (مساء الخير) عضو مناضلا وعضو مركزية الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم
متوفيا بضربة بالة حادة فى مؤخرة الراس
6- بعد عام لرحيله اقامت الجبهة الديمقراطية حفل تابين لمدة 4 ايام بجميع المجمعات بالجامعة
رد: الشهيد الزميل محمد عبد السلام
مازال البلاغ مفتوحا ضد هؤلاء السفاحين وقتلة الابرياء ..
لن نبكي ولكننا نناضل ..
حتما سنثأر لدمك الطاهر..
د/عبد الهادي إبراهيم- عدد الرسائل : 53
الإسم : : dozna.jeeran.com
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
رد: الشهيد الزميل محمد عبد السلام
في الساعات الأولى من صباح الأربعاء 5 أغسطس 1998 وصلت مدينة ود مدني سيارة اسعاف تابعة لمستشفى الخرطوم تحمل جثمان ابن المدينة الباسل الشهيد محمد عبد السلام بابكر. في صحبة الجثمان كان السيد مدير جامعة الخرطوم والسيد عميد الطلاب آنذاك يحملان لذويه تفسيراً لموت ابنهم مفاده أنه توفى ضحية أحداث عنف بين طلاب الجامعة أو هكذا قالوا. كان محافظ الجزيرة قد نقل خبر الموت إلى أسرة محمد آخر ساعات ليل الثلاثاء 4 أغسطس 1998 أما الأكاديميون كما هو دأبهم فتولوا الشرح والتبرير.
ولد شهيدنا في 24 سبتمبر 1971 وتتلمذ في مدارس مدينة ود مدني: الدباغة الابتدائية، الهوارة المتوسطة، ومدني الثانوية حتى التحق بكلية القانون، جامعة الخرطوم في العام 1995. ما أكمل محمد دراسته فقد قعد به نضال مر ثمنه كان حياته عن نيل وثيقة البكالوريوس، لكنه نال مكاناً أبدياً في ذاكرة رفاقه وشعبه حيث انتهت حياته القصيرة نهار الثلاثاء 4 أغسطس 1998 في أحد بيوت الأشباح التابعة للسلطة جراء ضربات متتالية على رأسه بآلة حادة وتعذيب بدت آثاره على جسده حروقاً وجروحاً. ما حمل محمد سلاحاً ضد السلطة ولا انتظم في حركة عسكرية ولا دبر انقلاباً ولا خطط بليل للتآمر على وطنه وشعبه. ما ارتكب شهيدنا حاشاه جناية ولا استغل منصباً كان له، ما فسد فأفسد، ما رشى وارتشى، ولا نهب ولا سرق، ما اختلس، ولا ضر فأضر. الحق أن محمد عبد السلام اغتيل وهو يدافع عن "مَرَاتِب" للنوم عز على الدولة السودانية أن تكون له ولزملائه وزميلاته من ساكني داخليات الوسط. هكذا في بلادي لا تتعدى قيمة المرء الفراش الذي عليه ينام، وهذا قياس لو تعملون جد لئيم.
معلوم أن الحركة الطلابية في جامعة الخرطوم ظلت تخوض نضالاً عسيراً ضد السلطة حول قضايا الطلاب المعيشية وذلك منذ قرار السلطة تصفية السكن والإعاشة بحسب توصية مؤتمر الخدمات عام 1989م الذي أتى بمباركة من طلاب الإتجاه الإسلامي (إتحاد التجاني المشرف). في تلك الفترة حصدت السلطة روح الشهيد بشير على يد أحد كوادرها بالجامعة، ثم روح الشهيد سليم، والشهيدة التاية إبان المظاهرات العارمة المضادة لقرار تصفية السكن والإعاشة في العام 1990م، ثم روح الشهيد طارق خلال أحداث داخلية كرار. الذي حدث في العام 1998م أن السلطة من خلال إدارة الجامعة وتنظيمها الطلابي وبمباشرة صندوق دعم الطلاب قررت زيادة رسم السكن في الداخليات ليبلغ 25 ألف جنيه للطالب أو الطالبة. كعادتهم التف الطلبة حول تنظيماتهم الديموقراطية دافعين بالمذكرات الاحتجاجية لمسؤولي صندوق دعم الطلاب علهم يعقلون أن وظيفة الصندوق خدمة الطلاب وليس العكس. والمطلع على أوضاع الداخليات لا بد يخبر أنها عراء أسمنتي لا توفر من ضرورات السكن سوى سقف يكتظ تحته الطلاب أنعاماً في زريبة الصندوق. ما حوته المذكرات كان توسلاً لحل توفيقي: تقسيط الرسوم، إرجائها، صيانة الغرف والمرافق الصحية.. لكن ما أفاد ذلك شيئاً فالسلطة وأجهزتها جعلت محل ترجيج العقل وحكمه حسم البندقية وعماها، ينطبق ذلك على سياسة السياسة وسياسة "المَرَاتِب". تقدم الطلاب ممثلين في تنظيماتهم الديموقراطية بمذكرة أخيرة إلى الصندوق بتاريخ 1 أغسطس أمهلوا فيها إدارته 48 ساعة للرد على مطالبهم ومقترحاتهم لجهة تسوية النزاع بين الطرفين. انتهت المهلة واستمر التجاهل. عليه حزم الطلبة أمرهم أن "الحق تلاوي وتقلعو"، وأي حق، ليس سوى السكن في داخليات الجامعة وهي ملك عام أوكل أمرها للصندوق لإدارتها وليس منعها عن المستحقين. ما كان للطلبة إلا استغلال وسائلهم المعلومة في التنظيم والاحتجاج فساروا هادرين في مظاهرة سلمية "منزوعة السلاح" نحو مكاتب الصندوق لاستلام الرد على مذكرتهم السابق ذكرها. كما هو متوقع، غابت إدارة الصندوق عن مجابهة هذا الاحتجاج الجماهيري. والوضع على ما هو عليه، طلبة حرموا من السكن ومستلزماته الأولية، وإدارة مسؤولة عن اسكان الطلبة ترفض مجرد الرد على مذكرة مكتوبة، عزم الطلبة على تكرار سنة نضالية مجربة دشنوها أول مرة في العام 1997 فاقتحموا مكاتب ومخازن إدارة الصندوق عنوة ليتوزعوا بينهم "المَرَاتِب" و"المراوح" و"لمبات النور"، ثم تفرقوا إلى غرف الداخليات لا يلوون على شئ. رد فعل السلطة مجروحة الكرامة "المخزنجية" كان تجريدة جنجويدية ثلاثية الأضلاع: قوات الأمن العام، قوات البوليس والطلبة الإسلاميين. أغارت هذه الجماعات على داخليات الطلبة حوالي الثالثة صباح الثلاثاء 4 أغسطس 1998 مدججة بالسلاح هدفها استرداد "مَرَاتِب" و"لمبات" و"مراوح" الدولة، هذا من جهة الغنيمة، ومن جهة الانتقام التنكيل بمن سولت لهم أنفسهم الأمارة "بالمَرَاتِب" عصيان قرار السلطة استبعادهم من جنات داخلياتها، وإتباع ذلك بانتهاك قدس مخازن الصندوق والسكن عنوة في غرفه "الملك الحر". انهالت هراوات الحسم الحكومي على رؤوس الطلبة ضرباً مبرحاً بينما تلصص الطلبة الإسلاميون النظر بحثاً عن زملاؤهم من عضوية التنظيمات الديموقراطية فهم والحال "ثورة" خميرة الفتنة وعصابة الشر لا محالة.
وجد الإسلاميون الزميل محمد عبد السلام نائماً على فرشه المسروق فوق سطح داخلية المناهل، وهو من هو في تراتب "العُصْبجية" المتمردين عضو اللجنة المركزية للجبهة الديموقراطية بجامعة الخرطوم (1998). بجوار محمد على سطح المناهل كان إثنين من رفاق دراسته، فاقتلعه القساة الضعاف من مخدعه ذاك ليقتاد رجال الأمن ثلاثتهم إلى غيهب عاد منه الإثنان. أما شهيدنا فآخر عهده بالدنيا التي نعرف كان شفق خرطومي أطل عليه فوق سطح أسمنتي يشرف منه على جامعة الخرطوم. لنا أن نتخيل ما الذي طاف بذهن شهيدنا والموت مطبق فكه عليه بفعل بني جلدته وزملاء دراسته، ذنبه "مَرْتَبة". عادت به خارطة حياته القصيرة ربما إلى حضن أم رحب في حي الدباغة وهو بعد يرتع في لهو الطفولة البديع، أو ربما إلى صوت ماكينة الخياطة خاصة أبيه الترزي المعروف في سوق ود مدني الكبير. لربما استعاد شيئاً من "الدُعَاش" الأسري بين شقيقات له وأشقاء، أو انغمس في ذكرى حب جاشت به نفسه حيناً من زمانه اللئيم. غاب عنه كل هذا ربما ومرت بذهنه غبطة الانتماء لنفر من الصديقات والأصدقاء يشاطرونه الخبرة والحياة، أو نشوة الجماعة في "شلل" الزملاء والزميلات. من يدري، أجالت بذهنه جمل القانون الرتيبة أو مقاطع شعر خصها لصراخ "الكولنغ" في ممرات الجامعة ودروبها، أو ربما استحضر بنوداً من اللائحة والبرنامج أو بعضاً من "جارغون" النشاط السياسي. عله كان النيل هادراً ذلك الحين في عقله الشاب أو صوراً تماثله لجمع الطلبة في "الأركان". لن نعلم أبداً، هل صرخ من ألم الحياة وضنك الحرية، هل غفر لحظة موته لقاتليه أم سمهم بعين النصر وراحة الأبدية. مهما كان، غادر شهيدنا على عجل تاركاً وراءه "المَرْتَبة" فقد استعجلوه وما كان في خاطره أنه آخر صباح. تصور ربما أن درب حياته طويل يصله إلى وطن خير ديموقراطي، وهو كذلك لا محالة فقد انتصر بزهو على موته الفردي ليسكن حياتنا الجماعية إلى الأبد. أكثر ما يحير شأن قاتليه، بما هم بشر لا بد تصوروا دافعاً ولو حتى فوضوياً لقتله. جردوه من إنسانيته وجعلوه في الخيال شيطاناً رجيماً يرجمونه غرض العبادة إذ دنس لهم مقدساً، أو حائطاً هاملاً يهدمونه غرض التوسعة إذ ضيق عليهم فسيحاً، أو حشرة كسول يدهسونها غرض الملهاة إذ بها ضجروا. بفعلتهم نفوا عن أنفسهم أسباب الانسانية وليس في خيالهم أو جرمهم ما ينزع عن شهيدنا ثوب بسالته ونبله فهو الإنسان على الحقيقة وهم محض قتلة وكفى.
ومحمد في قبره ينعم بالأبدية، على جسده شهادة تعذيبه واغتياله، إتجه ذووه إلى الدولة التي فاضت روحه الكريم ثمناً "لمَرْتَبَتها" علهم يجدون في مؤسساتها انصافاً وعدلاً ليستقيم الميزان بين القتيل وقاتله. عليه تقدم "اولياء الدم" ببلاغ إلى بوليس جنايات كوبر بموجب المادة (130) من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م (القتل العمد) رقمه 1943/98. إلى هذا البلاغ ضُمت عريضة دعوى جنائية بتاريخ 12 اغسطس 1998 قدمت لدى نيابة الخرطوم شمال تحوي اتهاماً رسمياً إلى 12 فرد معلومة اسماءهم وجهاتهم مدونة. إثر ذلك تم تشكيل لجنة تحقيق من وزارة العدل وديوان النائب العام مهمتها المعلنة مباشرة التحري في حيثيات البلاغ. دون تطويل، انسدت عند هذا الحد دروب العدالة وأغلقت بوابتها رغم طلبات عديدة تقدمت بها هيئة الإتهام إلى لجنة التحقيق لتحديد ميعاد سماع الشهود ووكيل اولياء الدم، وشكاوى تقدمت بها ذات الهيئة إلى وزير العدل والنائب العام كان آخرها خسب ما علمت مذكرة بتاريخ 13 اغسطس 2003 تطلب فيها هيئة الإتهام تشكيل لجنة تحقيق محايدة واستعجال السير في اجراءات البلاغ، مرفقة معها قائمة تضم توقيعات محامين وصحافيين وأصدقاء للشهيد.
نعود لشهيدنا في قبره لنقول دمت، ظلموك حياً وما انصفوك قتيلاً، ومن أنت، طالب فرد قضى دون حقه النوم على فراش داخليته، وهي بعض من خير شعبه الوفير. ما الدستور وما القضاء وما وثيقة الحقوق وما ثرثرة الديموقراطية وزعيق الحريات، ما الذقون والعمائم والملافح، ما الكارفتات والقبعات المعاطف، ما حلل التشريف وديباج السلطة وتاج الرئاسة، ما الحياة وما الموت والشهيد في قبره تنضح جروحه بميسم قاتليه وسأم الكلام، وفي الحلم "مَرْتَبة"؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً! لنا جميعاً، لقاتليه، ولظالميه حكمة صلاح المرسلة: آخر العمر طويل أم قصير، كفن من طرف السوق وشبر في المقابر...
( نقلا عن صحيفة الايام في ذكرى إستشهاد الزميل محمد عبدالسلام العدد 8895 الاثنين 27/8/2007م ) .
ولد شهيدنا في 24 سبتمبر 1971 وتتلمذ في مدارس مدينة ود مدني: الدباغة الابتدائية، الهوارة المتوسطة، ومدني الثانوية حتى التحق بكلية القانون، جامعة الخرطوم في العام 1995. ما أكمل محمد دراسته فقد قعد به نضال مر ثمنه كان حياته عن نيل وثيقة البكالوريوس، لكنه نال مكاناً أبدياً في ذاكرة رفاقه وشعبه حيث انتهت حياته القصيرة نهار الثلاثاء 4 أغسطس 1998 في أحد بيوت الأشباح التابعة للسلطة جراء ضربات متتالية على رأسه بآلة حادة وتعذيب بدت آثاره على جسده حروقاً وجروحاً. ما حمل محمد سلاحاً ضد السلطة ولا انتظم في حركة عسكرية ولا دبر انقلاباً ولا خطط بليل للتآمر على وطنه وشعبه. ما ارتكب شهيدنا حاشاه جناية ولا استغل منصباً كان له، ما فسد فأفسد، ما رشى وارتشى، ولا نهب ولا سرق، ما اختلس، ولا ضر فأضر. الحق أن محمد عبد السلام اغتيل وهو يدافع عن "مَرَاتِب" للنوم عز على الدولة السودانية أن تكون له ولزملائه وزميلاته من ساكني داخليات الوسط. هكذا في بلادي لا تتعدى قيمة المرء الفراش الذي عليه ينام، وهذا قياس لو تعملون جد لئيم.
معلوم أن الحركة الطلابية في جامعة الخرطوم ظلت تخوض نضالاً عسيراً ضد السلطة حول قضايا الطلاب المعيشية وذلك منذ قرار السلطة تصفية السكن والإعاشة بحسب توصية مؤتمر الخدمات عام 1989م الذي أتى بمباركة من طلاب الإتجاه الإسلامي (إتحاد التجاني المشرف). في تلك الفترة حصدت السلطة روح الشهيد بشير على يد أحد كوادرها بالجامعة، ثم روح الشهيد سليم، والشهيدة التاية إبان المظاهرات العارمة المضادة لقرار تصفية السكن والإعاشة في العام 1990م، ثم روح الشهيد طارق خلال أحداث داخلية كرار. الذي حدث في العام 1998م أن السلطة من خلال إدارة الجامعة وتنظيمها الطلابي وبمباشرة صندوق دعم الطلاب قررت زيادة رسم السكن في الداخليات ليبلغ 25 ألف جنيه للطالب أو الطالبة. كعادتهم التف الطلبة حول تنظيماتهم الديموقراطية دافعين بالمذكرات الاحتجاجية لمسؤولي صندوق دعم الطلاب علهم يعقلون أن وظيفة الصندوق خدمة الطلاب وليس العكس. والمطلع على أوضاع الداخليات لا بد يخبر أنها عراء أسمنتي لا توفر من ضرورات السكن سوى سقف يكتظ تحته الطلاب أنعاماً في زريبة الصندوق. ما حوته المذكرات كان توسلاً لحل توفيقي: تقسيط الرسوم، إرجائها، صيانة الغرف والمرافق الصحية.. لكن ما أفاد ذلك شيئاً فالسلطة وأجهزتها جعلت محل ترجيج العقل وحكمه حسم البندقية وعماها، ينطبق ذلك على سياسة السياسة وسياسة "المَرَاتِب". تقدم الطلاب ممثلين في تنظيماتهم الديموقراطية بمذكرة أخيرة إلى الصندوق بتاريخ 1 أغسطس أمهلوا فيها إدارته 48 ساعة للرد على مطالبهم ومقترحاتهم لجهة تسوية النزاع بين الطرفين. انتهت المهلة واستمر التجاهل. عليه حزم الطلبة أمرهم أن "الحق تلاوي وتقلعو"، وأي حق، ليس سوى السكن في داخليات الجامعة وهي ملك عام أوكل أمرها للصندوق لإدارتها وليس منعها عن المستحقين. ما كان للطلبة إلا استغلال وسائلهم المعلومة في التنظيم والاحتجاج فساروا هادرين في مظاهرة سلمية "منزوعة السلاح" نحو مكاتب الصندوق لاستلام الرد على مذكرتهم السابق ذكرها. كما هو متوقع، غابت إدارة الصندوق عن مجابهة هذا الاحتجاج الجماهيري. والوضع على ما هو عليه، طلبة حرموا من السكن ومستلزماته الأولية، وإدارة مسؤولة عن اسكان الطلبة ترفض مجرد الرد على مذكرة مكتوبة، عزم الطلبة على تكرار سنة نضالية مجربة دشنوها أول مرة في العام 1997 فاقتحموا مكاتب ومخازن إدارة الصندوق عنوة ليتوزعوا بينهم "المَرَاتِب" و"المراوح" و"لمبات النور"، ثم تفرقوا إلى غرف الداخليات لا يلوون على شئ. رد فعل السلطة مجروحة الكرامة "المخزنجية" كان تجريدة جنجويدية ثلاثية الأضلاع: قوات الأمن العام، قوات البوليس والطلبة الإسلاميين. أغارت هذه الجماعات على داخليات الطلبة حوالي الثالثة صباح الثلاثاء 4 أغسطس 1998 مدججة بالسلاح هدفها استرداد "مَرَاتِب" و"لمبات" و"مراوح" الدولة، هذا من جهة الغنيمة، ومن جهة الانتقام التنكيل بمن سولت لهم أنفسهم الأمارة "بالمَرَاتِب" عصيان قرار السلطة استبعادهم من جنات داخلياتها، وإتباع ذلك بانتهاك قدس مخازن الصندوق والسكن عنوة في غرفه "الملك الحر". انهالت هراوات الحسم الحكومي على رؤوس الطلبة ضرباً مبرحاً بينما تلصص الطلبة الإسلاميون النظر بحثاً عن زملاؤهم من عضوية التنظيمات الديموقراطية فهم والحال "ثورة" خميرة الفتنة وعصابة الشر لا محالة.
وجد الإسلاميون الزميل محمد عبد السلام نائماً على فرشه المسروق فوق سطح داخلية المناهل، وهو من هو في تراتب "العُصْبجية" المتمردين عضو اللجنة المركزية للجبهة الديموقراطية بجامعة الخرطوم (1998). بجوار محمد على سطح المناهل كان إثنين من رفاق دراسته، فاقتلعه القساة الضعاف من مخدعه ذاك ليقتاد رجال الأمن ثلاثتهم إلى غيهب عاد منه الإثنان. أما شهيدنا فآخر عهده بالدنيا التي نعرف كان شفق خرطومي أطل عليه فوق سطح أسمنتي يشرف منه على جامعة الخرطوم. لنا أن نتخيل ما الذي طاف بذهن شهيدنا والموت مطبق فكه عليه بفعل بني جلدته وزملاء دراسته، ذنبه "مَرْتَبة". عادت به خارطة حياته القصيرة ربما إلى حضن أم رحب في حي الدباغة وهو بعد يرتع في لهو الطفولة البديع، أو ربما إلى صوت ماكينة الخياطة خاصة أبيه الترزي المعروف في سوق ود مدني الكبير. لربما استعاد شيئاً من "الدُعَاش" الأسري بين شقيقات له وأشقاء، أو انغمس في ذكرى حب جاشت به نفسه حيناً من زمانه اللئيم. غاب عنه كل هذا ربما ومرت بذهنه غبطة الانتماء لنفر من الصديقات والأصدقاء يشاطرونه الخبرة والحياة، أو نشوة الجماعة في "شلل" الزملاء والزميلات. من يدري، أجالت بذهنه جمل القانون الرتيبة أو مقاطع شعر خصها لصراخ "الكولنغ" في ممرات الجامعة ودروبها، أو ربما استحضر بنوداً من اللائحة والبرنامج أو بعضاً من "جارغون" النشاط السياسي. عله كان النيل هادراً ذلك الحين في عقله الشاب أو صوراً تماثله لجمع الطلبة في "الأركان". لن نعلم أبداً، هل صرخ من ألم الحياة وضنك الحرية، هل غفر لحظة موته لقاتليه أم سمهم بعين النصر وراحة الأبدية. مهما كان، غادر شهيدنا على عجل تاركاً وراءه "المَرْتَبة" فقد استعجلوه وما كان في خاطره أنه آخر صباح. تصور ربما أن درب حياته طويل يصله إلى وطن خير ديموقراطي، وهو كذلك لا محالة فقد انتصر بزهو على موته الفردي ليسكن حياتنا الجماعية إلى الأبد. أكثر ما يحير شأن قاتليه، بما هم بشر لا بد تصوروا دافعاً ولو حتى فوضوياً لقتله. جردوه من إنسانيته وجعلوه في الخيال شيطاناً رجيماً يرجمونه غرض العبادة إذ دنس لهم مقدساً، أو حائطاً هاملاً يهدمونه غرض التوسعة إذ ضيق عليهم فسيحاً، أو حشرة كسول يدهسونها غرض الملهاة إذ بها ضجروا. بفعلتهم نفوا عن أنفسهم أسباب الانسانية وليس في خيالهم أو جرمهم ما ينزع عن شهيدنا ثوب بسالته ونبله فهو الإنسان على الحقيقة وهم محض قتلة وكفى.
ومحمد في قبره ينعم بالأبدية، على جسده شهادة تعذيبه واغتياله، إتجه ذووه إلى الدولة التي فاضت روحه الكريم ثمناً "لمَرْتَبَتها" علهم يجدون في مؤسساتها انصافاً وعدلاً ليستقيم الميزان بين القتيل وقاتله. عليه تقدم "اولياء الدم" ببلاغ إلى بوليس جنايات كوبر بموجب المادة (130) من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م (القتل العمد) رقمه 1943/98. إلى هذا البلاغ ضُمت عريضة دعوى جنائية بتاريخ 12 اغسطس 1998 قدمت لدى نيابة الخرطوم شمال تحوي اتهاماً رسمياً إلى 12 فرد معلومة اسماءهم وجهاتهم مدونة. إثر ذلك تم تشكيل لجنة تحقيق من وزارة العدل وديوان النائب العام مهمتها المعلنة مباشرة التحري في حيثيات البلاغ. دون تطويل، انسدت عند هذا الحد دروب العدالة وأغلقت بوابتها رغم طلبات عديدة تقدمت بها هيئة الإتهام إلى لجنة التحقيق لتحديد ميعاد سماع الشهود ووكيل اولياء الدم، وشكاوى تقدمت بها ذات الهيئة إلى وزير العدل والنائب العام كان آخرها خسب ما علمت مذكرة بتاريخ 13 اغسطس 2003 تطلب فيها هيئة الإتهام تشكيل لجنة تحقيق محايدة واستعجال السير في اجراءات البلاغ، مرفقة معها قائمة تضم توقيعات محامين وصحافيين وأصدقاء للشهيد.
نعود لشهيدنا في قبره لنقول دمت، ظلموك حياً وما انصفوك قتيلاً، ومن أنت، طالب فرد قضى دون حقه النوم على فراش داخليته، وهي بعض من خير شعبه الوفير. ما الدستور وما القضاء وما وثيقة الحقوق وما ثرثرة الديموقراطية وزعيق الحريات، ما الذقون والعمائم والملافح، ما الكارفتات والقبعات المعاطف، ما حلل التشريف وديباج السلطة وتاج الرئاسة، ما الحياة وما الموت والشهيد في قبره تنضح جروحه بميسم قاتليه وسأم الكلام، وفي الحلم "مَرْتَبة"؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً! لنا جميعاً، لقاتليه، ولظالميه حكمة صلاح المرسلة: آخر العمر طويل أم قصير، كفن من طرف السوق وشبر في المقابر...
( نقلا عن صحيفة الايام في ذكرى إستشهاد الزميل محمد عبدالسلام العدد 8895 الاثنين 27/8/2007م ) .
د/عبد الهادي إبراهيم- عدد الرسائل : 53
الإسم : : dozna.jeeran.com
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى